بسم الله الرحمن الرحيم
الانحراف بالدين
إن الدين الصحيح يجب أن يكون متوافقاً في كل أجزائه مع الفطرة والعقل والمنطق ,وكذلك مع منظومة إعمار الكون,فلا يتناقض معها ,ولا يعطلها أو يعوقها,وإلا ثبت بطلانه,أما أن يكون الدين صحيحاً ثم يقوم أتباعه بالانحراف به فهذا ما نناقشه هنا.
سبب الانحراف:
إن سبب الانحراف هو تلبية حاجة مريضة في النفس,والضيق من أمور لا تتقبلها هذه النفس المريضة,من هنا يقوم الإنسان بحذف أو تجاهل أو إخفاء الأمور التي تضيق بها نفسه,وخلق أمور اخرى وإدخالها في الدين ونسبها إليه ليصبح الدين ملبياً للضعف النفسي وليس معالجاً له.إن أسوأ انحراف أحدثه البشر في الدين هو أنهم خلطوا بين ما هو صناعة إلهية وهو الوحي,وبين ما هو صناعة بشرية وهو الفقه والفهم والتصور والتفسير لما هو موحى به,ثم بعد أن خلطوا بين الأمرين عظموا ما صنعه البشر فوق ما صنعه الله لهم,حتى أنه في بعض الأديان لم يبق شيء مما صنعه الله لهم.
إن الانحراف يقصد به تلبية الضعف النفسي,من هنا يتم تسخير النصوص الصحيحة لما يحقق شهوة ورغبة هذه النفوس المريضة,فيختار منها ما يريد وينحي بعيداَ ما لا يريد,ويعظم من الدين أموراً ويهون من شأن أمور أخرى, ويجعل من الغرض الذي أمر به النص مطية يسوقها حيث يريد,فيجعل الأمر للوجوب أو للندب والاستحباب, ويجعل النهي للتحريم أو للكراهية أو يجعله أمراً خاصاً بالأمم السابقة ولا يعنينا منه شيء.
ومن صور الانحراف أن يصبح التاريخ مكوناً رئيسياً من مكونات الدين, فمن خلال الأحداث التاريخية يصبح أمراً ما محرماً وآخر نسكاً جديداً وغيره عقيدة يجب الإيمان بها ومفاصلة من يرفضون ذلك باتهامهم بالكفر والمروق.
إن الدين قد جاء ليؤكد لأهل الاستقامة استقامتهم,وليهدي أهل الضلال الذين يبحثون عن الهداية ويقبلونها, وليكون حجة على أهل الانحراف الذين لا يبحثون عن الحق ولا يقبلونه إذا صادفهم.
إن صور الانحراف بالدين كثيرة,وسنذكر منها بعض الصور:
الانحراف بمجمل الدين:
إن الله قد أنزل الأديان لتكون هداية وحجة,والانحراف بها أن تتحول لأداة مساندة وعون على تثبيت المنهج المعمول به من الناس,فإذا كان الناس يعيشون بمنهج الكفر حيث تعظيم الموروث وتركة الآباء خرج من فهمهم وفهم علمائهم دين يعظم الكفر ويسايره,وإذا كان منهجهم منهج نفاق حيث الغاية هي المصلحة والمنفعة واللذة حتى لو كانت على حساب القيم والأخلاق والمثل العلا تم تطويع الدين ليكون واحة لنفاقهم,وإذا كان منهجهم منهج القطيع حيث السمع والطاعة العمياء رأينا دينا يعظم الخضوع والذل ويحارب التفكر والعقل,إذن فالانحراف بمجمل الدين يعني أن الدين لم يعد مصدر هداية ورقي وتحضر وسمو بل أصبح أداة تبرر انحطاط الناس وزيغهم.
- الانحراف بالعقيدة :
فبدلاً من أن تكون العقيدة سنداً وقوة للمؤمنين أمام معترك الحياة إذا بهم يستخدمونها لتغطية خيبتهم وفشلهم وجعلها أداة لتبرير الانحراف والزيغ,من هنا لجأ هؤلاء المنحرفون إلى حيلة مكشوفة,ألا وهي قول الحق الذي يراد به باطل,ويعني ذلك أن تقال الحقيقة مبتورة فيفهم منها أمر هو في ذاته خطأ, ويكون الدليل المسند لهذه الحقيقة الخاطئة هو ذاك النص الذي قيل مبتوراً. وهذه هي الأمثلة:
· إن الله وليس الإنسان هو الذي:يرزق, يشفي,يقدر,ينصر ,يعين, يغني ويفقر,الرقيب الجليل ,المنتقم.
· لا يغني حذر من قدر.
· مالك متربي...قال من ربي.(مثل شعبي مصري)
· {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (160) سورة آل عمران
· {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (80) سورة الشعراء
· {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (3) سورة الطلاق
· {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (17) سورة الأنفال
· {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} (111) سورة الأنعام
· {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} (89) سورة الأعراف
· {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (76) سورة يوسف
· {إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا } (24) سورة الكهف
· {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} (56) سورة المدثر
· {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (30) سورة الإنسان
· {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (29) سورة التكوير
إن المتحدثين بالغيب لا يشعرون أنهم يهربون من الحقيقة الكونية,والتي هي من صنع الله,وتجدهم يتحدثون حديث أهل العلم وبثقة بالغة وكأن هذا الغيب قد انكشف لهم,أو أنهم أهل معرفته من دون الناس.
إن الله قد أباح الشرك به ولم يبح الكفر به,ولكنه اشترط للشرك به أمران,هما السلطان والعلم,وهما من الأدلة المادية,أي من سنة الله في كونه,أي أن الإسلام يعظم سنة الله في الكون ويبيح الشرك بالله- رغم أنه من أعظم الذنوب - إذا كان للشرك دليل وبرهان من الواقع اليقيني:
· {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} (151) سورة آل عمران
· {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (81) سورة الأنعام
· {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (33) سورة الأعراف
· {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (71) سورة الحـج
خلط العقيدة في سنن الله الكونية:
إن العقيدة تعني بالغيب,بينما سنن الله الكونية(آيات الله) تعني بالحقائق والمدركات,وإن خلط العقيدة بالحقائق وربط ذلك بالإيمان يخلق التناقض بل والشك ثم الكفر بالعقيدة,لأن الواقع سينتصر لسنن الله الكونية,ومن تعامل بالغيب وكأنه قوانين تماثل قوانين الواقع فسيكتشف قطعاً خطأ قوانين الغيب, وصواب قوانين الواقع, فهل سيكون أمامه إلا أن يكذب الغيب ويكفر به؟,أو أن يخدع نفسه بأنه مؤمن بهذا الغيب ثم يكون كل سلوكه دالاً على كذبه واستهتاره بالغيب.
إن حل المشاكل الواقعية لن يكون إلا من سنن الله الواقعية,فعلاج مريض أو بناء مصنع أو محاولة كشف أسرار الأعداء أو العمل على اختراع آلة أو جهاز كل ذلك جعل الله له سنناً,من يسر عليها يصل إلى غايته أو لا يصل حسب إحاطته بها جميعاً,أما من لم يتبع هذه السنن فقطعاً لن يصل,أما أن يصل فرد في حالة شاذة إلى هدف دون الأخذ بهذه السنن فهذه قصة وحكاية تروى للتعجب والتندر وليست لتكون دليلاً على أن الغيب هو ما يجب الاعتماد عليه في التعامل مع الواقع.
إن العقيدة تعمل على سكينة النفس ومساندتها أمام المغريات والفتن,ولم تأت العقيدة لتكون بديلاً لسنن الله الكونية, فالعقيدة لا تصلح لأن تكون بديلاً للعدل والمساواة,أو للحذر والتخطيط والتدبير,أو للبحث والاجتهاد والمثابرة.
إن المنحرفين بالغيب يهملون أو قل يحطمون قاعدة أو سنة الله في أن كل مقدمات لابد لها من نتائج,وكل نتائج لابد لها من مقدمات,وإن العلاقة بين المقدمات والنتائج هي علاقة منطقية,أما هم فهم يدعون الله بأمور لم يسعوا لعمل مقدماتها,فإذا تعجبت منهم وقلت كيف يمكن أن يتحقق ذلك قالوا:بإرادة الله,إن الله قادر على كل شيء ولا يعجزه شيء.وكثيراً ما نراهم ينتظرون شفاء مريض أو نجاح وتفوق طالب علم,أو رواج سلعة تجارية أو صناعية رغم افتقادهم لأسباب النجاح والإنجاز,فإذا فشلوا قالوا:الحظ أو القدر أو النصيب,وكأن هذه الأمور من الغيبيات التي لا قبل لهم بفهمها أو إدراك أسباب النجاح فيها.
إن الفأل والطيرة والأحلام وتوتر النفس واطمئنانها هي مجرد إرهاصات,وليست أدلة على شيء,فهي تحتمل كلا الأمرين,فإذا أقدم أحد على أمر مثل زواج أو بيع أو شراء أو غير ذلك فسمع وهو يسير في الطريق من يقول عبارات تجعله يتنبأ بما سيحدث,أو رأى حلماً أو شعر بضيق في نفسه أو انشراح,كل ذلك يحتمل الأمرين,وقد تكرر ذلك مع كل منا,ولكننا ننسى ما يتفق مع المنطق ونتذكر دوماً ما يتناقض معه,فإذا أقدمنا على أمر ورأينا كل شيء ميسر,الفأل والأحلام والإجراءات ثم بعد أن تم الأمر تبين لنا أننا كنا على خطأ,وأن ذلك الأمر لم نجن منه إلا الندم والخسارة,فنادراً ما يذكر أحد أو يتذكر أن كل الإرهاصات كانت تنبئ بعكس ذلك,أما إذا كانت الإرهاصات تنبئ بالسوء ولكننا أكملنا الأمر,فإذا كان الأمر حسناً نسينا ذلك سريعاً,وإن كان الأمر سيئاً تذكرنا كل الإرهاصات وذكرناها في كل مجالسنا بل وأورثناها لأولادنا.
إن سنة الله في الكون ممثلة في المنطق هي ما نتفاهم به ونقبلها حجة ومرجعية بيننا,وهي ما سنحاسب عليه يوم القيامة,فمن خالف المنطق أثم ولزمته الحجة,ولن يقبل الله حجة من قدم يوم القيامة وهو يتحجج بأحلامه وما تفاءل به أو تطير,أو ما انشرحت به نفسه أو ضاقت.
ومن صور الانحراف بالعقيدة تبرير الاستكانة والخنوع والذل تحت دعوى أن الله قادر على كل شيء ولو شاء الله لما قدر للظالمين والبغاة التمكن فيما تمكنوا منه,أو أننا لن نغير القدر والمكتوب.
ومن أشهر صور الانحراف بالعقيدة تحويلها إلى لعبة منطقية, وبما عرف بعلم الكلام, واصبحت العقيدة تكفير وتضليل واتهام بالزندقة دون البحث عن كيفية تحويل العقيدة إلى سند وعون للمؤمن بها.
- الانحراف بالنسك والشعائر:
إن النسك والشعائر إنما شرعت لتكون هناك علاقة دائمة بين العبد وربه,فيطلب منه الخضوع لأفعال والتحدث بأقوال محددة,فيكون في ذلك إقرار بالخضوع لله,مع تعظيم للأمور المرتبطة بالقيم والمثل العلا,وكذلك المعظمة لله في النفوس,بينما يحقر من شأن الأمور المقابلة والمتمثلة في الانكباب على الدنيا,أو العيش في غفلة عن الله والآخرة,هذا ما يهدف إليه أي دين صحيح,فكيف يتم الانحراف بالنسك؟,هذه هي بعض الصور:
1- المبالغة في أدائها كما لو كانت تحدث لهم اللذة والمتعة,أو تحويلها لأداة تحدث لهم اللذة والمتعة:
2- تحويلها إلى مستنزف للمال والوقت والجهد.
3- إضافة الطقوس التي تجعلها مبهرة ومبهجة {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} (35) سورة الأنفال:وكذلك إقران النسك والشعائر بملبس معين,أو بطعام محدد,أو بأعمال محددة.
4- تغيير وتبديل الأمر ,وأداء نسك وشعائر مختلفة: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ* فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} (58-59) سورة البقرة, {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ* فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ}(161-162) سورة الأعراف
5- إقران النسك والشعائر بأمور شركية بالله:مثل ربطها بمكان محدد فيه تعظيم لأمر لم يكن في النص الملزم,مثل اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} (106) سورة يوسف,
6- تحويلها لأدوات وقوانين سننية أي واقعية,مثل:إذا كنت تريد كذا وأن ييسر لك قضاء مصلحة ما فعليك بفعل كذا{صلاة بالليل,ذكر الله بصيغة معينة وبعدد محدد,حج أو عمرة,دعاء محدداً..الخ}
7- الترهيب والترغيب بقصص وحكايات,مثل إن أحداً قد تأخر عن الصلاة لانشغاله بأمر من أمور الدنيا فكانت العاقبة سيئة,وإن أحدهم قد عجز عن القيام بأمر فقام الليل فأصبح وقد قضيت له حاجته.وفتح النار على كل من يشكك في هذه الأمور بأنه يطعن في قدرة الله على فعل الأمور وليس طعنه في افترائهم على الله بقصص وروايات لم تحدث أو باستبدالهم آيات الله السننية بآيات الله الغيبية.ولو أنها حدثت حقيقة فإنها لا تصلح للاستنباط والقياس بالشكل الذي فعلوه بها.
8- اتخاذها غطاء لخيبتهم,فمن تعسر عليه إنجاز الأعمال سارع بالمبالغة في النسك من كثرة صلاة وقيام وصوم وذكر على المسبحة,وهو يعلم أن الناس ستعظم ذلك منه وتترفق به وتعذره في التقصير في الأعمال.
9- اتخاذها غطاء لنفاقهم,فيقومون بأداء النسك ليعلم الناس أنهم من أهل الصلاح والتقوى,فيشاركونهم في تجارتهم أو يقبلون مصاهرتهم أو يطمئنون إليهم فيسندون لهم ما له علاقة بالأمانة.
10- تحقيق التوازن النفسي بها مع أعمالهم الفاسدة,فيحسبون أن الصلاة والصيام والقيام والحج والعمرة ستوضع في كفة وما اقترفوه من آثام سيوضع في كفة أخرى وسترجح كفة النسك والشعائر على كفة ما اقترفوه من فساد في الأرض.
الانحراف بالمعاملات:
- الإتباع الشكلي للأوامر:
· {واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ* وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (163-164) سورة الأعراف
- السخرية والاستخفاف والاستهزاء بالأوامر:
· {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (8) سورة المجادلة
- المخالفة الصريحة:
· {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ* ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (84-85) سورة البقرة
· {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (36) سورة الأحزاب
- الانحراف بالنصوص:الاهتمام بالحفظ والتزيين وإهمال المقاصد:فتقام المسابقات في حفظ النصوص,بينما لا يتم تشجيع من يبدع في فهم المعاني والمقاصد الحقيقية.
- وضع المعاملات في مرتبة أدنى من الاعتقاد وأداء النسك:
· الاستخفاف بالانحراف السلوكي واقرانه بالاستغفار والتوبة ورحمة الله الواسعة,وتعظيم مسائل الاعتقاد الدقيق التي لا تهم, أو بعض السنن والفضائل في النسك والشعائر.
· تفضيل المتدينين الشكليين أصحاب الأقوال الرنانة والمظهر المبهر والعبادات الظاهرة رغم وجود عيوب سلوكية لديهم على أهل الاستقامة والتحضر والعلم الذين بهم تقصير في الثقافة الدينية والالتزام التعبدي.
· رفع قدر المنتمين للدين حتى إذا كانت لهم سقطات أخلاقية وسلوكية فوق المنتمين للأديان الأخرى حتى لو كانوا أهل استقامة وعلم وفضل.
قضية التخلص من الذنوب
حاول الإنسان أن يطوع الدين ليبرر له انحرافه عن الاستقامة,فاستخدم عقيدة القدر تارة ليثبت أنه كان مسيراً فيما اقترف من ذنوب وآثام ,وعرض الآيات الدالة على سبق علم الله بما كان وما سيكون وكأنها القيود التي يستحيل ألا يفعل الإنسان إلا ما يجبر على فعله,وهو ما يعرف بقضيه"مسير أم مخير".
وتارة يحاول أن يثبت من خلال النصوص أن الله يحب مقترفي الذنوب,ويسعد بهم,وكلما اقترفوا ذنباً أسرع إلى مغفرته بمجرد التلفظ بألفاظ الاستغفار والتوبة.
وتارة يحاولون التملص والتبرؤ مما اقترفوه,وأن يقوم غيرهم بحمل هذه الذنوب نيابة عنهم فلا تكون هناك علاقة بينهم وبين هذه الذنوب.
موقف الإسلام من مسئولية الفرد عن فعله:إن الإسلام يؤكد على نسبة الفعل إلى فاعله,ثم مسئوليته عما فعل مسئولية كاملة,لا يشاركه فيها غيره,مع تحمله جميع تبعات الفعل,وأنه سيسأل يوم القيامة عن كل ما اقترفت يداه , وأنه كما لن يهضم خيراً فعله فكذلك لن يفلت من إثم اقترفه,أما التوبة والمغفرة فقد فتحها الله للناس لكي يتوقف انزلاق الفرد نحو الانحراف والفساد,فيتوقف ضرره للناس:
- {وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (54) سورة الأنعام
- {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (61) سورة يونس
- {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (97) سورة النحل
- {مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} (44) سورة الروم
- {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} (40) سورة غافر
- {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (46) سورة فصلت
- {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (15) سورة الجاثية
- {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (110) سورة النساء
- {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا} (123) سورة النساء
- {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} (124) سورة النساء
- {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} (112) سورة طـه
- {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} (94) سورة الأنبياء
- {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (8,7) سورة الزلزلة
- {قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (164) سورة الأنعام
- {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (15) سورة الإسراء
- {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} (18) سورة فاطر
- {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (7) سورة الزمر
- {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (38) سورة النجم
- {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (84) سورة القصص
- {وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (27) سورة يونس
- {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} (45) سورة النحل
- {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ} (4) سورة العنكبوت
- {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } (10) سورة فاطر
- {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} (21) سورة الجاثية
لا إكراه في الدين
إن المبدأ القرآني والبشري والعالمي يقرون بحق كل إنسان في اختيار الدين الذي يريده,وتطبيق هذا المبدأ يعني أن ينتقل الفرد من دين إلى دين في سلاسة وأمن,وألا يضار من اختياره لدين بعد دين.
أما أن يترتب على اختياره ضرر نفسي أو مادي أو معنوي فهنا الإكراه,إذ أنه ليس في سعة من أمره في أن يتخير ما يراه أنه حق.
إن المجتمع الشرقي مازال يعتبر الانتساب للدين أمر يخص العرض ويعير من يخرج أحد من أسرته إلى دين آخر فيصيبهم الخجل والخزي والعار , وربما يقتلونه أو يسجنونه أو يطردونه خارجهم,رغم زعمهم بأن الدين أمر يخص كل فرد على حدة,وأنه حر في اختياره.وبذلك تحول الدين من إيمان واعتقاد واطمئنان نفس للحق إلى نعرات وعصبية وطائفية.
إن المسلمين ابتدعوا حكم الردة على من يترك الإسلام,وهم بذلك لم يقروا بوجوب الاقتناع الكامل للفرد بالدين الذي يدين به لكي يقبل منه عند الله.
إن القرآن قد جعل حق الفرد في الإيمان بما يشاء حقاً مقرراً لا يسلبه منه إلا ظالم أو باغ:
- {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (256) سورة البقرة
- {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا} (29) سورة الكهف
- {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} (28) سورة هود
- {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} (88) سورة الأعراف
- {وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} (87) سورة الأعراف
- {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} (46) سورة مريم
- {قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} (116) سورة الشعراء
- {قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} (167) سورة الشعراء
- {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (18) سورة يــس
إن المجتمع المسلم لن يصل إلى الصورة المثالية للإسلام حتى يسعد بمن يترك الإسلام لأنه ضاق بما فيه ويذهب طائعاً إلى دين آخر يجد فيه راحته النفسية, كما يضيق هذا المجتمع بمن يظل على الإسلام وهو كاره له طاعن فيه ولا يرى منه شيء يتطابق معه في السلوك أو العقيدة أو النسك.
إذا كان دين ما يزعمون أنه دين الحق, فكيف يقبلون أن يظل فيه منحرف ضال مفسد,وكيف لا يغارون على وجود فرد مستقيم السلوك والفكر في دين آخر؟.إن الباب يجب أن يفتح على مصراعيه ليدخل من يشاء ويخرج من يشاء عن أي دين .إن الدين الحق لا يقبل به إلا أصحاب النفوس السوية, ولا يطيقه من كان في نفسه انحراف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق