الأربعاء، 23 فبراير 2011

لا يؤمن أحدكم حتى.....


تطبيق...حديث الرسول(ص):"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"
المبحث الأول:معنى "لا يؤمن أحدكم حتى":أي لا يطلق عليه لفظ المؤمن ولا يجوز له أن يعد نفسه مؤمناً "حتى" أي أن هذا هو الحد بين الأمرين.أما قبل ذلك فلديه إيمان ولكنه لا يكفي لاعتباره مؤمنا عند الله.
لا يؤمن:أي كيف نجيز تصديقه القلبي وصدق اعتقاده:
 بالله:الذي خلق الناس جميعاً من نفس واحدة,وفرض فيهم العدل والمساواة,وفضل بعضهم على بعض في الصحة والقوة والذكاء والجمال وشكل الجسد والرزق والنسب.
والذي يراقبه ويعلم ما في نفسه,ثم يميته ويبعثه يوم القيامة ويحاسبه وأعد الجنة لمن خضع له وأصلح وأعد النار لمن شذ عن منهجه وأفسد.
والذي لا يحابي ولا يجامل أحداً على أحد,والذي يحب مكارم الأخلاق.
 باليوم الآخر:الذي سيقف فيه بين يدي الله وتوضع أعماله في الميزان,فمن عمل مثقال ذرة خيراً رآه,ومن عمل مثقال ذرة شراً رآه.
بالرسول:الذي بعثه الله ليتمم به مكارم الأخلاق,ولينشر به الحب والمودة والمروءة والعدل والمساواة بين الناس جميعاً.
"حتى":أي أنه قبل ذلك لا يجوز أن نعده مؤمناً أو يظن نفسه من المؤمنين.
يحب لأخيه ما يحب لنفسه
يحب لأخيه:أي يرضى ويقبل له,ويحكم على نفسه بأن ترضى وتقبل.
ما يحب لنفسه:أي ما يتمنى ويرتاح إليه ويسعد به ويرضى ويقبل به.
إن الإيمان هو الشجرة,و"يحب لأخيه ما يحب لنفسه" هو الثمرة .أو
إن الإيمان هو الماكينة,و"يحب لأخيه ما يحب لنفسه" هو المنتج.
فإذا وجدت الثمرة أو المنتج معيباً فلابد أن نبحث في الأصل لأن العيب فيه.
المبحث الثاني:كيف أفسدنا المقصد من الحديث؟:
قلنا:لا يؤمن أحدكم حتى:أي لا يكتمل إيمانه أي لا يصل إلى نسبة 100%. ثم عقبنا وبالطبع لا يصل إلى هذه النسبة إلا الأنبياء والأولياء وأين نحن منهم؟.
والصواب أنه بنص الحديث لم يصل لمرحلة الإيمان,أي لم ينجح في تجاوز الخط الفاصل بين الإيمان المقبول من الله وبين الغفلة والبعد عن الله,وليس بين الإيمان والكفر.
وقلنا يحب لأخيه ما يحب لنفسه:وهل المطلوب أن يحب الإنسان أن يكون غيره الأول والأفضل والأسبق؟ فنقول بالطبع لا,وهل يفرض على أحد أن يحب لغيره أن يكون مثله في الذكاء والقوة والجمال والنسب؟
والصواب هو أن ذلك بعيد عن مقصد الحديث,فالحديث يأمرك أن تقبل وترضى لأخيك أن يكون مثلك أو أفضل منك إذا تهيأت لكما نفس الظروف والفرص المتكافئة.
إن الحديث يقصد أن يرفض المؤمن لأخيه:الظلم والجور والغبن والخداع والقهر والذل.يرفض أن يعاني من القلق والتوتر والرعب والخوف.لا يقبل أن يحدث أي عدوان على ماله أو عرضه أو نفسه,تماماً كما يرفض أو يقبل ذلك على نفسه.
إن المقصود من الحديث هو عمل الجوارح في المقام الأول,في السلوك والمعاملات,أما عمل القلب والعاطفة فيأتي في المقام التالي أو لا يأتي,إن الحب القلبي والتمني والفرح والسرور لن يعنينا قبل ما يترتب على هذه المشاعر النفسية من عمل وسلوك وبناء أو هدم,أما أن نجعل الحديث يقتصر على عمل القلب أو يكون ذلك في المقام الأول فهذا هو الانحراف عن المقصد.
المبحث الثالث:ما هي أعراض مخالفة الحديث؟ يجب أن نذكر جميع مجالات الحياة,وسنذكر منها الآتي:
* المال:أن يكون مال غيرك أرخص عليك من مالك:التليفونات(استخدام,استعارة,هو الذي يطلب),الطعام(تقدم للناس شيئاً وتفرض عليهم أشياء أغلى),المواصلات(قبول دفع الغير وعدم الرد),استعارة الأجهزة الكهربائية والأدوات المنزلية الاستهلاكية غير الماعون).
* العرض: الثورة والغضب حين يمس الأمر عرضه ,والتريث والهدوء والبلادة حين يعتدي أحد من أهله على أعراض غيره,ونحن نسأل من يريد أن يتأكد من إيمانه:كيف يكون رد فعلك حين تعلم بوجود علاقة عاطفية بين الرجال من ناحيتك ونساء الغير,وهل تتساوى حين يقيم  رجل أجنبي علاقة مع من ينتسب إليك من النساء,وماذا يكون تصرفك في الحالتين أي لك أو عليك إذا واجهت: الشك في وجود علاقة,وجود أدلة مثل الخطابات والتليفونات,وغيرها؟.
* الأمن:لا يتساوى من أخافك مع من تخيفه.عندما تعرضت لموقف سبب لك قلقاً وخوفاً بسبب تمكن إنسان منك في وضع معين,هل قلت في نفسك إذا مكنني الله في إنسان فإنني سأنتقم لنفسي منه,أم قلت لن أسبب لأحد من المعاناة مثل ما عانيت منه.
* الكرامة:هل تشعر بمن خدشت كرامته بكلمة أو سخرية,هل فرقت بين كرامة ابنك أو أخيك أو أبيك أو دينك أو وطنك,وبين غيرك الذي لديه ومن حقه أن يشعر بما تشعر به.
المبحث الرابع:من دلائل الانحراف والظلم والبغي رفض القانون والنظام الذي أجمع الناس على صوابه واستقامته حين تمكنه,وقبوله له ومناداته به حين عجزه وضعفه,أي رفض الخضوع للقانون العام بين البشر والسعي لفرض قانون متميز يحقق له وحده ما يريد:
-         في المنافسة بين الناس,و السعي للتميز والتفوق :في الرياضة والتجارة والمهن المختلفة والسياسة والتعليم:
-         في العلاقات العامة والخاصة:بين الجيران,الحاكم والمحكوم,صاحب العمل والعميل(الزبون),القائد والأتباع,المسئول والشعب.
-         في الاختلافات بين طرفين والسعي للتحكيم فيما بينهما.
المبحث الخامس:في الحديث دليل على وجود المرجعية داخل كل نفس:فكل فرد يعلم يقيناً ما يحبه ويرضاه لنفسه,وما عليه إلا أن يساوي بين نفسه وغيره.
هل يمكن أن يحاسب شخصين على خطأ مماثل بحكمين مختلفين؟
نعم.فمن طلب من أخيه أن يدعوه للغذاء في مطعم وكلفه مبلغا كبيراً من المال,كيف نحاسبه؟.إذا كان هو نفسه قد تعود أن يقوم بدعوة إخوانه على نفقته الخاصة,فإننا سنترفق به ولا نلومه بنفس الشدة التي نلوم بها من اشتهر ببخله وتقتيره,ثم ينتهز الفرصة ليطلب من غيره الإنفاق عليه,فهذا يفرق بين قيمة المال لديه ولدى غيره .
إن البخيل الذي يرفض أن يأخذ من أحد شيئاً أو يكلفه شيئاً هو مؤمن,لأنه يعتبر أن الناس جميعاً مثله,ولا يحب أن يؤلمهم بالأخذ من أموالهم,والجبان الذي يشفق على من يتصدى لأمر فيه خطورة على نفسه مؤمن,لأنه يعامل غيره كما يتعامل مع نفسه.أما البخيل الذي يتلذذ بأموال الناس,والجبان الذي يدفع بالناس لعظائم الأمور,فلا يمكن أن ينتسبوا للإيمان.
المبحث السادس:من هو المعني بالحديث؟
إن المعني بالحديث هو كل إنسان يتصف بهذه الصفات:
أولاً:يملك القدرة على تبين ما يحبه لنفسه بوضوح وجلاء.
ثانياً:يملك القدرة على استيعاب معنى العدل والمساواة بينه وبين الآخرين,أي أن الآخرين يحبون لأنفسهم مثل ما يحبه هو لنفسه.
ثالثاً:يملك القدرة على العمل والفعل,على البدء به والاستمرار فيه والتوقف عنه.
رابعاً:يملك القدرة على تبين ما يمكن أن يحدثه فعله,أي تبعات الفعل من ألم أو فرحة,من بناء أو إفساد أو عطلة..الخ.
إذا اتصف أي إنسان بهذه الصفات مجتمعة فقد فرض عليه أن يكون مؤمناً.
أما من لا يتصف بهذه الصفات مجتمعة فلا يمسه هذا الحديث بشيء لأن التكليف قد سقط عنه.
المبحث السابع:لا ينسب عمل إلى الإيمان إلا إذا اتصف بالكمال وتنزه عن النقص:
فلا ينسب عمل به خطأ إلى الإيمان,فالجزء الصحيح من العمل هو ما ينسب للإيمان أما الخطأ في العمل ولو كان يسيراً فلا ينسب للإيمان,فالإيمان لا يعرف إلا الكمال في العمل.لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن,ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن. والعدل في الحب بين الإنسان نفسه وغيره هو أحد أعراض الإيمان.
المبحث الثامن:لا يختلف القانون باختلاف وضع الحاكم والمحكوم:
إذا سألنا إنساناً:هل تحب أن يحكمك غيرك بالقانون نفسه الذي تحب أن تحكم به غيرك؟,فإن قال نعم فهو سوي النفس, مستقيم الفكر,أما إذا قال:لا,فهو مريض النفس منحرف الفكر,إذا رفض إنسان قانوناً لشعوره بالظلم منه ثم طبقه هو بنفسه على غيره حين تمكن فهو ظالم باغ,ليس عن جهل بل عن بينة ويقين. 
إن الغالبية العظمى من الناس تفرق بين القانون الذي تحكم به والآخر الذي تحب أن يحكمها غيرها به,فحين تكون محكومة تحب العدل والمساواة,أما حين تحكم فالتميز والاستثناءات لطبقة الحكام ومن والاهم,وهذا يدل على اعوجاج نفوسهم وانحرافها عن الصراط المستقيم,ومن عجب أن ينسب ذلك إلى الدين,فيفترون على الله كذباً بأنه يشرع للناس الظلم والتمييز والتفرقة بين الناس,وهذا هو القرآن كيف يعالج هذه القضية:
·       {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ*الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}(من 1-3) سورة المطففين
·       {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ* وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ* أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (48-50) سورة النــور
·       {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (135) سورة النساء
·       {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (8) سورة المائدة
·       {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (42) سورة المائدة
·       {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (152) سورة الأنعام
·       {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} (29) سورة الأعراف
·       {وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (85) سورة هود
·       منتا
·       {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (88) سورة هود
إن كثيراً من المسلمين وقعوا بتعصبهم فيما وقع فيه غيرهم من أهل الأديان الأخرى,فتخلوا عن القيم البشرية ووضعوا قيما مختلفة نسبوها للدين زوراً وبهتاناً على الله,فجعلوا العدل والمساواة والرحمة وحق كل إنسان في الحياة وفي الاعتقاد وفي الحرية أموراً لا يفهمونها إلا من خلال دينهم,وهي مختلفة عما تعارفت عليه البشرية وما فطر الله الناس عليه,وأصبحوا كما أصبح غيرهم فقول الحاخام أو القس أو الشيخ المفتي أو الفقيه يعلو عندهم على ما خلقه الله داخل كل إنسان,وهم جميعاً يحسبون أنهم مهتدون!.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق